تخطى إلى المحتوى

“شعري مازال يشتعل برائحة تراب قريتي الأحمر ” بهذه الكلمات … أرسلت لنا إحدي العابرات هذا النص

    “شعري مازال يشتعل برائحة تراب قريتي الأحمر ”
    بهذه الكلمات … أرسلت لنا إحدي العابرات هذا النص و كتبت سارة جبريل تقول :

    وقفت عارية أمام المرآة اتفحص جسدي، وكلي “عيون تتفرس”؛ اتنهد : ياه كم تبدو غريبا بعد كل سنوات القطيعة هذه!!
    أسأل نفسي : لماذا هربت منك؟!
    اتحسس الأكتاف العريضة و الثدي الصغير في استدارته، اعتذر من خصري بلمسات مرتجفة
    أأخيرا، اتقبل كل انحناء الآن؟!
    جسدي المعفر بما انا لست عليه من وصمات عار و ظنون خبيثة… اعطيه الخلاص، الخلاص للأبد من كل كذبة، مبارك صدقك أيها الحقيقي حتى فيما لا اطيق منك، من كل نظرة جارحة و جرح غائر لم يندمل و كل كلمة كانت رصاصة و كل موت أحيا في داخلي حربا اخلصك لتنجو نجاتك مع ذاتك و لذاتك…

    منذ سنواتي الأولى التي تعلثمت فيها عندما أرغمت علي الإنضمام لفريق الأولاد! و انا أعاني من الرفض لكل ملامح الذكورة الثقيلة… منذ السؤال الملغم :”انت ولد ام بنت؟!”؛ كنت لا أفكر في إجابة صحيحة، بل إجابة تبقيني في أمان، إجابة تحميني من ألفاظ السباب التي تنزل حارة كصفعات على وجهي… وجهي كم تحمل من صفعات طوال الثلاثين عام .

    و لكني إمرأة قوية، أقف عارية أمام المرآة
    شعري مازال يشتعل برائحة تراب قريتي الأحمر و توقده الشمس كما كان…يقبل وجنتي و يغطي صدري…
    و ما أعظم المرآة، تتحمل ما ترى، تعكسه بصدق دون أن تهتز ولا تنكسر.

    لوحقت بالرصاص، عندما انفكت عقدة لساني و تكلمت ، و تحررت من شعوري بالعار من كوني إمرأة – في مجتمع يحتقر النساء-و اي إمرأة؟ إمرأة كان بإمكانها ان تتنكر بهيكل الرجال و تحظى بامتيازاتهم…

    حتى أصدقائي المقربين تحولوا الي غرباء، عدائيين… فقدت كل شيء ، سلمت كل شيء قبل أن اخرج من ليبيا، كنت اهرول عنها اسابق خطواتي المتعثرة إلى مصر هاربة من التهديدات الدامية لنصرة الله في قتلي، و لم أفهم، كيف لله ان يتخلى عني هو الآخر؟

    و عانيت معاناة جديدة، مع الاغتراب و فقدان الاحساس بالأمان، في المحروسة مصر، تخليت عن الله الذي لم يحرسني، و تمسكت في فستان إمرأة مطرز بالنجوم رنمت لي صلواتها تهويدات ما قبل النوم، و رقصت معي متي فقت من نومي حزينة، المجد لظلها في الحر و في البرد لحضنها الدافيء المجد كله.

    و لسنة و يزيد بقيت رهينة غرفتي “لأسباب أمنية” لا أرى نور الشارع، بل اسمع عنه من رفيقات السكن حتى فقدت شعاعي و شارفت على الانطفاء، و توقدت مجدداً بين ليلة و ضحاها وجدت نفسي في مطار باريس، تتفتح عيوني على الوان جديدة الإشراق و وجوه تعرف ان تبتسم دون أن تجلد او تحكم….

    و منذ الليلة الأولى التي بات فيها التلفاز في غرفتي الحميمية، رأيت في القنوات الرسمية قبلات مثلية كلها حب ، و وجوه العابرات تبرق كانهن تماثيل آلهة، جميلة ومهيبة.

    هنا حيث انا، أقف امام المرآة، عارية دون خجل او عار، أرى جسدي كما هو، بحياده، لا جسد إمرأة كاملة ولا جسد رجل كامل
    اتقبله كما هو و اعطيه خلاصه في المنتصف، حتى عندما اعبر نحو الضفة الآخر، يكون عبوري مسالما… و ذكراي مع الجسد القديم نزيهة.